الأخطاء الطبية تُعد واحدة من القضايا الحساسة التي تتطلب توازناً دقيقاً بين حقوق المرضى وحماية مزاولي المهن الطبية. في القانون الإماراتي، تحظى هذه المسألة باهتمام خاص، حيث تُحدد التشريعات الأطر القانونية لمعاقبة الأخطاء الطبية الجسيمة وتعويض المتضررين. يناقش هذا المقال الجوانب المدنية والجزائية للأخطاء الطبية وفقاً لقانون المسؤولية الطبية الإماراتي (القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2016).
(تعريف الأخطاء الطبية)
بحسب القانون الإماراتي، يُعرف الخطأ الطبي بأنه التصرف الذي يرتكبه الممارس الطبي نتيجة لعدم كفاية معرفته المهنية أو تقصيره في الالتزام بالمعايير الطبية المعتمدة، مما يسبب أضراراً جسدية أو نفسية للمريض.
(المسؤولية المدنية)
تهدف المسؤولية المدنية إلى تعويض المتضرر عن الأضرار الناتجة عن الخطأ الطبي سواء كانت مادية أو معنوية. وتشمل:
1- التأمين الإلزامي: يتعين على الأطباء والمنشآت الطبية الحصول على تأمين يغطي الأخطاء الطبية لضمان تعويض المتضررين.
2- إجراءات التعويض: يمكن للمتضرر رفع دعوى قضائية للحصول على التعويض، استناداً إلى تقارير لجان التحقيق الطبية التي تحدد طبيعة الخطأ والأضرار الناتجة عنه.
(المسؤولية الجزائية)
في حالات الأخطاء الطبية الجسيمة، يتحمل مرتكب الخطأ المسؤولية الجزائية. يُعرف الخطأ الجسيم بالإهمال الفادح أو الجهل الكبير الذي يؤدي إلى أضرار خطيرة. تشمل العقوبات الجزائية:
1- العقوبات الجزائية: يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن (50,000) خمسين ألف درهم ولا تتجاوز (100,000) مائة ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يعمل على تركيب الأعضاء الصناعية في جسم شخص بدون التأكد من ملاءمتها له أو الضرر الذي سيتعرض له.
يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من يخالف المادة رقم (10) التي تنص على “لا يجوز إنهاء حياة المريض أياً كان السبب، ولو بناءً على طلبه أو طلب الولي أو الوصي عليه” والبند الثاني الذي ينص على “لا يجوز رفع أجهزة الإنعاش عن المريض إلا إذا توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً ونهائياً، أو توقفت جميع وظائف المخ توقفاً تاماً ونهائياً، وفقاً للمعايير الطبية الدقيقة التي يصدر بها قرار من الوزير، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه”.
يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن (10,000) عشرة آلاف درهم ولا تزيد على (100,000) مائة ألف درهم كل من يخالف حكم المادة (5) البند رقم (2) الذي تنص على “الامتناع عن علاج المريض في الحالات الطارئة أو الانقطاع عن علاجه في جميع الأحوال إلا إذا خالف التعليمات التي حددها الطبيب أو كان الامتناع أو الانقطاع راجعاً لأسباب خارجة عن إرادة الطبيب” والبند رقم (10) الذي ينص على “القيام بإجراءات طبية أو عمليات جراحية غير ضرورية للمريض دون موافقته المستنيرة”.
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات كل طبيب باشر إجهاض امرأة حبلى عمداً بإعطائها أدوية، أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك، أو بإرشادها إليها سواء كان الإجهاض برضائها أو بغيره، فإذا أفضى الإجهاض إلى موت المجني عليها تكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات.
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تجاوز مائتي ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يثبت ارتكابه خطأً طبياً جسيماً، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تجاوز خمسمائة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين اذا ترتب على الخطأ الطبي الجسيم وفاة شخص. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تجاوز مليون درهم، إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة تحت تأثير سكر أو تخدير.
2- الإجراءات القانونية: لا يتم التحقيق مع الطبيب أو القبض عليه إلا بعد صدور تقرير طبي نهائي يُثبت الخطأ.
(دور لجان التحقيق الطبي)
تلعب لجان التحقيق دوراً رئيسياً في تحديد طبيعة الخطأ الطبي ومسؤوليته. تُشكل هذه اللجان من خبراء طبيين محايدين، ويتمثل دورها في تقديم تقارير شاملة تعتمد عليها الجهات القضائية لاتخاذ القرار المناسب.
يتم إنشاء لجنة خبرة من الأطباء المتخصصين في مختلف التخصصات الطبية بقرار من الوزير أو رئيس الجهة الصحية حسب الحالة، وتسمى “لجنة المسؤولية الطبية”. تختص هذه اللجنة، دون سواها، بالنظر في الشكاوى المحالة إليها من الجهة الصحية أو النيابة العامة أو المحكمة، وتحديد ما إذا كان هناك خطأ طبي ودرجة جسامته. في حال تعدد المسؤوليات، تقوم اللجنة بتحديد نسبة مشاركة كل شخص في هذا الخطأ وتوضيح سببه والأضرار الناتجة عنه، بالإضافة إلى العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ونسبة العجز في العضو المتضرر إن وجدت. يحق للجنة الاستعانة بالخبراء أو أي شخص تراه مناسباً للقيام بمهامها. لا تقبل دعاوى التعويض المتعلقة بالمسؤولية الطبية إلا بعد العرض على لجان المسؤولية الطبية وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون.
(التصالح في قضايا الأخطاء الطبية)
يتيح القانون الإماراتي للمتضرر أو ورثته طلب الصلح مع المتهم في قضايا الأخطاء الطبية. يؤدي هذا الصلح إلى انقضاء الدعوى الجنائية، إلا أن حقوق المتضرر في المطالبة بالتعويض المدني تبقى محفوظة. هذه الآلية تُساهم في تسريع حل النزاعات وتقليل العبء على النظام القضائي.