التجارة الرقمية في الإمارات: كيف تحوّلت الدولة إلى مركز إقليمي للتسوق الإلكتروني؟
في السنوات الأخيرة، تحوّلت الإمارات إلى مركز رائد في التجارة الرقمية على المستوى الإقليمي والعالمي. تسير الدولة بخطى ثابتة نحو تطوير بنيتها التقنية والتشريعية، لتؤسس بيئة متكاملة قابلة للنمو وتسعى لاحتضان المستقبل الرقمي.
حيث بلغت قيمة السوق الإلكتروني الإماراتي نحو 40.4 مليار درهم (11 مليار دولار) في عام 2024، ويتوقع أن تنمو لتصل إلى 69.7 مليار درهم (19 مليار دولار) بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11.5%.
تشير تقديرات أخرى إلى تحقيق حجم سوق التجارة الإلكترونية بـ 125 مليار درهم (34 مليار دولار) في عام 2025، مع توقعات مقاومة نمو بنسبة 8.4% سنوياً حتى 2029 .
عدد المتسوقين عبر الانترنت وصل إلى 9.82 مليون شخص في 2023، مع توقع ارتفاع العدد إلى 11.11 مليون بحلول 2025 .
أسباب النمو السريع للتجارة الرقمية
الإمارات تجمع بين:
- بنية تحتية رقمية حديثة 5G، مراكز بيانات متقدمة.
- انترنت بنسبة تغطية عالية.
- قوة شرائية عالية وسكان شباب وواعين بالتكنولوجيا .
- أنظمة دفع إلكتروني متطورة وثقة مصرفية عالية (93% من المستخدمين يفضلون بطاقات الائتمان/الخصم) .
- خدمات لوجستية ذكية وسريعة بفضل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين.
- دعم حكومي قوي، من خلال قوانين، مناطق حرة مخصصة، وترخيص الأنشطة الرقمية.
كيف ساهمت القوانين الإماراتية في دعم التجارة الرقمية؟
لعبت دولة الإمارات دوراً رائداً في وضع تشريعات متطورة لتنظيم التجارة الرقمية، وهو ما منح هذا القطاع بيئة قانونية مستقرة وآمنة للنمو. فقد أصدرت الدولة قوانين واضحة تُنظّم التعاملات الإلكترونية، مثل قانون التجارة الإلكترونية، وقانون حماية البيانات الشخصية، وذلك بهدف تعزيز ثقة المستهلك في الشراء عبر الانترنت، وحماية حقوق البائعين والمشترين.
كما أتاحت الإمارات إجراءات سهلة للحصول على رخص التجارة الإلكترونية، حيث يمكن لرواد الأعمال التقدم للحصول على الرخصة عبر منصات إلكترونية دون الحاجة لإجراءات ورقية معقدة. وهذا شجّع الكثير من الأفراد والشركات على دخول هذا المجال بثقة.
دور الحكومة في دعم الابتكار والتحول الرقمي:
لم تكتفِ الحكومة الإماراتية بوضع الأطر القانونية، بل بادرت بإطلاق مجموعة من المبادرات والمشاريع الطموحة التي تهدف إلى تعزيز الابتكار في المجال الرقمي. من أبرز هذه المبادرات “استراتيجية الاقتصاد الرقمي”، التي تهدف إلى رفع مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2031.
كما أطلقت الحكومة منصات رقمية تسهّل الإجراءات التجارية، مثل “المنصة الموحدة للتجارة في أبوظبي”، والتي توفر خدمات جمركية ولوجستية إلكترونية بالكامل. هذه الخطوات أسهمت في تسهيل العمليات التجارية، وخفضت التكاليف، وساعدت الشركات على التوسع بسرعة أكبر.
كيف يبدو مستقبل التجارة الرقمية في الإمارات؟
المستقبل يبدو واعداً جداً للتجارة الرقمية في الإمارات، خاصة مع توجه الدولة نحو تبني أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، وتحليل البيانات الضخمة. فمن المتوقع أن تشهد تجربة التسوق تغيّراً جذرياً، حيث قد يتمكن المستهلك من تصفح المنتجات وكأنه داخل متجر حقيقي، دون مغادرة منزله.
كذلك، تتجه أنظمة الدفع لتصبح أكثر تطوراً، مثل استخدام المحافظ الرقمية والعملات المشفرة، مما يُضيف سهولة وأماناً أكبر للمستخدمين. ويُلاحظ أيضاً تزايد اهتمام المستهلكين بالاستدامة، مما يدفع الكثير من المتاجر الإلكترونية إلى تقديم منتجات تراعي البيئة وتلبي توقعات العملاء.
ما أبرز التحديات التي تواجه التجارة الرقمية في الإمارات؟
رغم النمو المتسارع، إلا أن التجارة الرقمية في الإمارات لا تخلو من بعض التحديات. من أبرزها شدة المنافسة، خاصة مع وجود منصات كبرى مثل “أمازون” و”نون” التي تستحوذ على نسبة كبيرة من السوق، مما يجعل من الصعب على المشاريع الصغيرة والمتوسطة أن تُنافس دون تميز واضح.
كذلك، لا تزال بعض التحديات المرتبطة بثقة المستهلك قائمة، خصوصاً مع انتشار الإعلانات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد سارعت الحكومة لمواجهة هذه الظاهرة عبر سنّ قوانين جديدة لحماية المستهلك وتنظيم المحتوى الإعلاني. كما أن تكلفة تأسيس متجر إلكتروني تختلف من إمارة لأخرى، ما يستدعي من المستثمرين دراسة الخيارات بعناية قبل الانطلاق.
فالإمارات تمثل اليوم مثالاً يُحتذى به في بناء اقتصاد رقمي متكامل، من خلال رؤية واضحة وتنفيذ مدروس يشمل كل الجوانب التقنية، القانونية، والبشرية. السوق في نمو متسارع، مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي، التجهيزات اللوجستية المتقدمة، وثقة المستهلكين. ومع أن التحديات مثل الأمن الرقمي والمنافسة ستستمر، يبقى النمو جاهزاً لتحقيق قفزات نوعية جديدة خلال العقد المقبل.
– الدكتور المستشار “أحمد صابر صالح” محامي ومستشار قانوني متمرس يتمتع بخبرة واسعة في القانون التجاري، العقاري، والعمالي. عمل في أكبر مكاتب المحاماة بالإمارات، وهو عضو في نقابة المحامين المصرية ومحكم دولي معتمد. حاصل على ماجستير في القانون من جامعة المدينة بعجمان.